ظواهر عديدة بدأت تتسرب بشكل سريع وملفت للغاية ولم تعد حكرا على شريحة معينة من المجتمع بل اجتاحت كل الفئات دون حدود أو قيود تذكر ومن بينها ظاهرة المعاكسات التي أصبحت "متوفرة" في كل مكان، في الشوارع وفي الفضاءات العمومية وهذه السلوكات تجاوزت كل الأجناس والأعمار ولم تعد مرتبطة بالرجل فقط بل إن النساء اليوم أصبحن يتعمدن معاكسة الرجل وبأساليب مختلفة. وبالتالي فإن تفشي هذه الظاهرة يتحملها كلا الطرفين ولا يمكن أن نوجه اصبع الاتهام الى طرف دون غيره. وأسباب هذه الظاهرة متعددة ومتنوعة وتختلف من جنس إلى آخر ومن عمر إلى آخر، فهناك من الشباب من أقر بأن الإقدام على معاكسة الأنثى مرتبط بالبحث عن صديقة ولم لا تكون حبيبة في المستقبل.
أما بالنسبة للفتيات بمختلف أعمارهن أي مراقهات وشابات ومن تجاوزهن قطار الزواج يرون أن في معاكستهن للرجل بحثا عن شريك للحياة خاصة وأن عزوف الرجل على الزواج بات هو الآخر ظاهرة يصعب حلها. في حين يقدم بعض الرجال المتقدمين في السن على معاكسة الأنثى لأسباب مختلفة وهناك من صرح بأن سلوكات المرأة هي المتسببة في ذلك فهي التي تتعمد اغراءه بأساليب متعددة ويرى البعض الآخر أن في معاكسة المرأة إشباعا لرغبات داخلية وبحثا عن سد فراغات واسترجاع أيام الشباب وللتعمق في جزئيات ظاهرة المعاكسات حاولنا أن نقف عند شهادات حية أفادنا بها أصحاب تجارب مروا بهذه الظاهرة.أصحاب هذه التجارب امتنعوا عن الصور بحجة تجاوز يدعو للحرج.
يقول الشاب محمد علي 22 سنة للشروق إن في اقباله على معاكسة فتاة هو بحث منه عن حبيبة ولِمَ لا تكون زوجة في المستقبل ويضيف : "أنا لا أتجرأ على معاكسة الفتاة بطريقة مبتذلة وتخدش الحياة بل بمجرد كلمات الإعجاب فحسب" يقطع كلامه صديقه أحمد 26 سنة متحدثا عن تجربته الشخصية حول معاكسة الفتيات وبانفعال يطنب في الحديث" أريد تفسيرا لهؤلاء الشباب الذين يتجرؤون على معاكسة الفتيات في الطريق العام أو في وسائل النقل العمومية وإشباعهم بالكلام البذىء هذه طريقة غير متحضرة أنا لا أبرىء نفسي من معاكسة الجنس اللطيف لكن دون تجاوز الحدود ووضع الطرف المقابل في موقف حرج لأن الشباب اليوم لديه من الوعي والثقافة ما يمنعه من ارتكاب مثل هذه السلوكات المنافية مع الأخلاق.
من أجل العثور على الشريك
الصورة المقابلة لهؤلاء شابات يتعمدن معاكسة الفتيان وفي نفوسهن رغبة في اصطياد شريك الحياة هكذا صرحت مجموعة من الجنس اللطيف بمختلف أعمارهن تقول وفاء 20 سنة "إذا لم أبحث بنفسي عن زوج المستقبل وألجأ إلى اغرائه بشتى السبل أين سأجده إذن خاصة في ظل هذا العزوف التام من قبل الرجل عن الزواج وبالتالي فإن معاكسة الشاب هي الطريقة الوحيدة للحصول على شريك الحياة وإنما دون تجاوز حدود الأخلاق فالمرأة عادة ما تكتفي بالنظرات والابتسامات وتترك البقية للشباب ومن رأيي هذا مسموح به. وفي نفس السياق تقول الآنسة ألفة 35 سنة : "أنا فتاة جد خجولة ولم أتجرأ يوما على معاكسة شاب أو حتى مجرد النظر إليه وهو ما جعل قطار الزواج يفوتني وأنا اليوم نادمة لأني أضعت عدة فرص كانت بامكانها أن تتوج بالزواج لذلك أنا لست ضد اقدام الفتاة على معاكسة الشباب إن صح التعبير لكن في حدود الحياء والأخلاق"."لا فرق اليوم بين فتاة أو شاب وهذا ممنوع وذاك مسموح له إذا ما كانت هذه الجزئيات مؤطرة في حدود الأخلاق" تواصل سلمى حديثها عن ظاهرة المعاكسات.
اليوم بامكان الفتاة أن تبحث عن شريك حياتها لكن بطريقة لا تتجاوز فيها موقعها كفتاة فمثلها يعجب الشاب بالأنثى ويطلب منها ربط علاقة معها بامكان الفتاة أيضا أن تطلب من الرجل ذلك هذا إذا لمست فيه الجدية والإحساس بالمسؤولية وتقدير مثل هذه العلاقات بشرط أن تكون الغاية الأولى والأخيرة تتويج هذه العلاقة بالزواج".لكــــل رأيه، وطريقته في البحث عن الشريـــك ومثلما تعددت الأطراف كثرت التناقضات لنجد في الركن الآخر شريحة أخرى لها أساليبها وأسبابها في ممارسة هذه الظاهرة.
إشباع رغبات
في هذا الركن اختلفت الأسباب وتعددت المسببات فحين يقدم رجل قد تجاوز عقده الخامس على معاكسة فتاة هنا يكمن الداء وتكثر الاستفهامات وتحدث الحيرة لتكون الاجابة واحدة في اقبالهم على هذا الصنيع اشباع لرغبات مكبوتة وفراغ في نفوسهم لا يمكن شده إلا بالإقدام على مثل هذه السلوكات، اعترافات أصحاب هذه السلوكات تشابهت بقدر ما اختلفت يقول السيد حميد 42 سنة لا أرى أنه من العيب أن يقدم الرجل على معاكسة فتاة حتى وإن كان متقدما في السن لكن في حدود معقولة أي دون التجرؤ والنطق بكلام بذيء أو يخدش الحياء فأنا شخصيا لا أستطيع تمالك نفسي أمام جمال المرأة واغراءاتها فأحيانا وأنا أتجول في الشارع أجد نفسي ودون شعور مني منساقا وراء فتاة جلبتني بمشيتها أو مظهرها وبكلام جميل أحاول معاكستها على سبيل المثال "زينك وإلا ساحرينك" وغيره من الكلام المعسول وباعتقادي أنه لا يضايق الفتاة "وماذا جنيت من وراء ذلك"؟ يجيب "أشعر أني سددت الفراغات وأشبعت بعض الرغبات لا غير وتنتهي القصة هنا ولا أتجاوز ذلك فمحنتي مع النساء تبقى في حدود الكلام المعسول فقط".
المرأة هذه المتسببة الرئيسية في انتشار هذه الظاهرة في الشارع وفي الأماكن العمومية هكذا يفسر السيد عدنان تفشي هذه السلوكات في صفوف الرجال يواصل حديثه "عندما أجد أمامي امرأة احتلت وجهها أدوات الزينة وبرزت مفاتنها من وراء ملابسها لا يمكن أن أتمالك نفسي وأقدم على معاكستها وما ذلك إلا إشباع لرغبات في ذاتي لا غير خاصة وأن اليوم لا يمكن أن تزور مكانا ولا تجد فيه هذا الجنس اللطيف وخاصة في المقاهي فحضور الفتاة في المقهى يجلب لها المعاكسات.
ظاهرة يتحملها الطرفان
ظاهرة المعاكسات يتحملها كل من الرجل والمرأة ولا يمكن رمي المسؤولية على احديهما هذا ما أراد السيد عادل تفسيره ليحوصل ما جاء على لسان ما سبقه يقول "المرأة لها نصيب في تفشي ظاهرة المعاكسات وذلك من خلال تعمدها اغراء الرجل بكل السبل وخاصة مظهرها الخارجي دون أن نبرئ الرجل من المسؤولية فهو أيضا يتحملها وبجزء كبير لأنه هو الذي يقدم على مثل هذا الصنيع بحجة أنه لا يتمالك نفسه أمام اغراءات الفتيات وبالتالي هذه السلوكات لا يمكن حدها لأنها ظاهرة باتت تشارع من يوم الى آخر ولا يمكن حصرها داخل المجتمع التونسي فحسب وإنما هي ظاهرة اجتاحت كل المجتمعات دون قيد أو حصر.
السيد مراد مهني أستاذ وباحث في علم الاجتماع: صنفان من المعاكسة
المعاكسة هي سلوك اجتماعي مرتبط بالرغبة في تحقيق القبول وبصفة خاصة الحاجة الى القبول من الجنس الآخر وهي حاجة تندرج في اطار بناء شخصية الإنسان وتحقيق درجة معينة من تقدير الذات غير أنه يمكن تصنيف المعاكسات إلى صنفين أساسيين معاكسات ترتبط بالشخصية السوية وأخرى بشخصية مرضية، والمعاكسات السوية هي غير المبتذلة ولا تنطوي على نزعات عدوانية تجاه الجنس الآخر بمعنى أنها تعبر عن رغبة طبيعية في بناء علاقات مع الجنس الآخر بهدف بناء الشخصية وتحقيق الذات أي تحقيق الحاجة الى "القبول"..وهذه المعاكسات تبدأ عادة في فترة المراهقة وتستمر الى فترات الشباب المتأخرة كما يمكن أن تشمل الكهول وحتى الشيوخ إذا كان هناك تقارب في السن والحالة الاجتماعية.أما بالنسبة للمعاكسات المرضية فتتم بعدة أساليب وهي معاكسات مبتذلة تنطوي على نزعة عدوانية غير متكافئة في السن وفي الحالة الاجتماعية وتتصف كذلك بتحقيق مكبوتات معينة....